فصل: قال في روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال في روح البيان:

وفي الآية إشارة إلى أن البلايا للسائرين إلى الله هي المطايا وأن أشد البلاء شماتة الأعداء فلما كانت رتبة الأنبياء أعلى كانت عداوة الكفار لهم أوفى وفي ذلك ترقيات لهم وتجليات.
والإشارة في شيطان الإنس إلى النفس الأمارة بالسوء وهي أعدى الأعداء ولهذا قدم ذكره على الجن هاهنا بخلاف المواضع الأخر وليعلم أن عداوة النفس وأصحاب النفوس أشد وأصعب من عداوة شياطين الجن فإن كيد الشيطان مع كيد الإنسان ضعيف وأرباب القلوب لا يصغون إلى زخارف أقوال أصحاب النفوس بل كلما تشتد عداوة الأعداء يقوى إيمان الأولياء.
وإنما يتسلط الشيطان على ابن آدم بفضول النظر والكلام والطعام وبمخالطة الناس ومن اختلط فقد استمع إلى الأكاذيب.
وعن بعض الشيوخ: أن الشيطان أشد بكاء على المؤمن إذا مات من بعض أهله لما فاته من افتتانه إياه في الدنيا وإذا عرج بروح المؤمن إلى السماء قالت الملائكة سبحان الذي نجّى هذا العبد من الشيطان يا ويحه كيف نجا.
فعلى المؤمن أن يحترز من وساوسه وحديث نفسه أيضًا كيلا يفتضح عند الله وعند الناس فإنه روي أن الوسواس الخناس يخبر بما وقع في قلب ابن آدم وحدث به نفسه وإن لم يخبره لغيره كما حكي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر امرأة في نفسه فجعل الناس يتحدثون به فيما بينهم. اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآية:

قال رحمه الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا} يعني: أعداء ومعنى ذلك كما جعلنا لك ولأمتك أعداء مثل أبي جهل وأصحابه كذلك جعلنا لكل نبي عدوًا {شياطين الإنس والجن} قال مقاتل وذلك أن إبليس وكل شياطين الإنس وشياطين الجن يضلونهم فإذا التقى شيطان الجن مع شيطان الإنس قال أحدهما للآخر: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا فأضْلِلْ أنت صاحبك بكذا وكذا.
فذلك قوله: {يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} يعني: يكلم بعضهم بعضًا بالإضلال.
وقال عكرمة: للجن شياطين مثل شياطين الإنس.
وروي عن الزبير بن العوام أنّ جنيًا شكا إليه ما لقي من الشيطان، فعلمه دعاء ليخلص منه فدعا به، ووجه آخر شياطين الإنس والجن يعني: الشياطين من الإنس والشياطين من الجن، لأن كل عات متمرد فهو شيطان.
وروي عن أبي ذر الغفاري أنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فأمرني أن أصلي ركعتين فصليت ثم جلست عنده قال: «يا أَبَا ذَرَ تَعَوَّذْ بِالله مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَشَيَاطِينَ الجِنِّ» فقلت يا رسول الله أوَ من الإنس شياطين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوَ مَا تَقْرَأ قوله: {شياطين الإنس والجن}؟» وكذلك هذان القولان من قوله تعالى: {الذى يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس مِنَ الجنة والناس} [الناس: 5، 6] ثم قال: {يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} يعن يوسوس بعضهم بعضًا.
{زُخْرُفَ القول غُرُورًا} يعني: ما زين منه وحسن وموه يعني: يزين القول باطلًا، يغرهم بذلك.
وأصل الزخرف الذهب.
وسمى الزينة زخرفًا لأن أصل الزينة من الذهب يعني: يزين لبعض الأعمال.
ثم قال: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} يعني: لو شاء ربك لمنعهم من الوسوسة، ولكن الله يمتحن بما يعلم أنه أبلغ في الحكمة وأجزل في الثواب {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} يعني: خلّ عنهم وما يكذبون من القول والغرور. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة: قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًا} أي جعلنا للأنبياء أعداء كما جعلنا لغيرهم من الناس أعداء.
وفي {جَعَلْنَا} وجهان:
أحدهما: معناه حكمنا بأنهم أعداء.
والثاني: معناه تركناهم على العداوة، فلم نمنعهم منها.
وفي {شَيَاطِينَ الإْنسِ وَالْجِنِّ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني شياطين الإنس الذين مع الإنس، وشياطين الجن الذين مع الجن، قاله عكرمة، والسدي.
والثاني: شياطين الإنس كفارهم، وشياطين الجن كفارهم، قاله مجاهد.
والثالث: أن شياطين الإنس والجن مردتهم، قاله الحسن، وقتادة.
{يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} في يوحي ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني يوسوس بعضهم بعضًا.
والثاني: يشير بعضهم إلى بعض، فعبر عن الإشارة بالوحي كقوله: {فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] و{زُخْرُفَ الْقَوْلِ} ما زينوه لهم من الشبه في الكفر وارتكاب المعاصي.
والثالث: يأمر بعضهم بعضًا كقوله: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 12] أي أمر.
ثم قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما فعلوه من الكفر.
والثاني: ما فعلوا من زخرف القول.
وفي تركهم على ذلك قولان:
أحدهما: ابتلاء لهم وتمييزًا للمؤمنين منهم.
والثاني: لا يلجئهم إلى الإيمان فيزول التكليف. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله: قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا} أي: وكما جعلنا لك ولأُمتك شياطين الإنس والجن أعداءً، كذلك جعلنا لمن تقدَّمك من الأنبياء وأُممهم؛ والمعنى: كما ابتليناك بالأعداء، ابتلينا مَنْ قبلك، ليعظم الثواب عند الصبر على الأذى.
قال الزجاج: وعدو: في معنى أعداء، و{شياطين الإنس والجن}: منصوب على البدل من عدو ومفسر له؛ ويجوز أن يكون: {عدوًا} منصوب على أنه مفعول ثان، المعنى: وكذلك جعلنا شياطين الإنس والجن أعداءً لأُممهم.
وفي شياطين الإنس والجن ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم مردة الإنس والجن، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: أن شياطين الإنس: الذين مع الإنس، وشياطين الجن: الذين مع الجن، قاله عكرمة، والسدي.
والثالث: أن شياطين الإنس والجن: كفارهم، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {يوحي} أصل الوحي: الإعلام والدلالة بِسَتر وإخفاء.
وفي المراد به هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أن معناه: يأمر.
والثاني: يوسوس.
والثالث: يشير.
وأما {زخرف القول}، فهو ما زُيِّن منه، وحُسِّن، ومُوِّه، وأصل الزخرف: الذهب.
قال أبو عبيدة: كل شيء حسَّنته وزيَّنتَه وهو باطل، فهو زخرف.
وقال الزجاج: الزخرف في اللغة: الزينة؛ فالمعنى: أن بعضهم يزين لبعض الأعمال القبيحة؛ و{غرورًا} منصوب على المصدر؛ وهذا المصدر محمول على المعنى، لأن معنى إيحاء الزخرف من القول: معنى الغرور، فكأنه قال: يَغرُّون غُرورًا.
وقال ابن عباس: {زخرفَ القول غرورًا}: الأمانيُّ بالباطل.
قال مقاتل: وَكّلَ إبليسُ بالإنس شياطين يُضِلُّونَهم، فإذا التقى شيطان الإنس بشيطان الجن، قال أحدهما لصاحبه: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا، فأضللْ أنت صاحبك بكذا وكذا، فذلك وحي بعضهم إلى بعض.
وقال غيره: إن المؤمن إذا أعيا شيطانه، ذهب إلى متمرد من الإنس، وهو شيطان الإنس، فأغراه بالمؤمن ليفتنه.
وقال قتادة: إن من الجن شياطين، وإن من الإنس شياطين.
وقال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد عليَّ من شيطان الجن، لأني إذا تعوَّذت من ذاك ذهب عني، وهذا يجرني إلى المعاصي عِيانًا.
قوله تعالى: {ولو شاء ربك ما فعلوه} في هاء الكناية ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إلى الوسوسة.
والثاني: ترجع إلى الكفر.
والثالث: إلى الغرور وأذى النبيّين.
قوله تعالى: {فذرهم وما يفترون} قال مقاتل: يريد كفار مكة وما يفترون من الكذب.
وقال غيره: فذر المشركين وما يخاصمونك به مما يوحي إليهم أولياؤهم، وما يختلقون من كذب، وهذا القدر من هذه الآية منسوخ بآية السيف. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله: قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي} الآية، تتضمن تسلية النبي عليه السلام وعرض القدوة عليه، أي إن هذا الذي امتحنت به يا محمد من الأعداء قد امتحن به غيرك من الأنبياء ليبتلي الله أولي العزم منهم، و{عدوًا} مفرد في معنى الجمع، ونصبه على المفعول الأول ل {جعلنا} المفعول الثاني في قوله: {لكل نبي}، و{شياطين} بدل من قوله: {عدوًا}، ويصح أن يكون المفعول الأول {شياطين} والثاني {عدوًا}، وقوله: {شياطين الإنس والجن} يريد به المتمردين من النوعين الذين هم من شيم السوء كالشياطين، وهذا قول جماعة من المفسرين ويؤيده حديث أبي ذر أنه صلى يومًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعوذ يا أبا ذر من شياطين الجن والإنس، قال وإن من الإنس لشياطين؟ قال: نعم» قال السدي وعكرمة: المراد بالشياطين الموكلون بالإنس والشياطين الموكلون بمؤمني الجن، وزعمًا أن للجن شياطين موكلين بغوايتهم وأنهم يوحون إلى شياطين الإنس بالشر والوسوسة يتعلمها بعضهم من بعض، قالا: ولا شياطين من الإنس.
قال القاضي أبن محمد: وهذا قول لا يستند إلى خبر ولا إلى نظر، و{يوحي} معناه يلقيه في اختفاء فهو كالمناجاة والسرار، و{زخرف القول} معناه محسنه ومزينه بالأباطيل، قاله عكرمة ومجاهد، والزخرفة أكثر ذلك إنما يستعمل في الشر والباطل، و{غرورًا} نصب على المصدر ومعناه أنهم يغرون به المضللين ويوهمون لهم أنهم على شيء والأمر بخلاف، والضمير في قوله: {فعلوه} عائد على اعتقادهم العداوة، ويحتمل على الوحي الذي تضمنته {يوحي}. وقوله: {فذرهم وما يفترون} لفظ يتضمن الأمر بالموادعة منسوخ بآيات القتال، قال قتادة كل ذر في كتاب الله فهو منسوخ بالقتال و{يفترون} معناه يختلفون ويشتقون، وهو من الفرقة تشبيهًا بفري الأديم. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة: قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا}
قيل هو منسوق على قوله تعالى: {كذلك زينّا لكل أمة عملهم}، أي كما فعلنا ذلك كذلك جعلنا لكل نبي عدوًا.
وقيل: معناه كما جعلنا لمن قبلك من الأنبياء أعداء كذلك جعلنا لك أعداء وفيه تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له يقول الله تبارك وتعالى: كما ابتليناك بهؤلاء القوم فكذلك جعلنا لكل نبي قبلك عدوًا ليعظم ثوابه على ما يكابده من أذى أعدائه وعدو واحد يراد به الجمع يعني جعلنا لكل نبي أعداء {شياطين الإنس والجن} اختلف العلماء في معنى شياطين الإنس والجن على قولين:
أحدهما: أن المراد شياطين من الإنس وشياطين من الجن والشيطان كل عات متمرد من الجن والإنس وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، وهو قول مجاهد وقتادة.
قالوا: وشياطين الإنس أشد تمردًا من شياطين الجن لأن شيطان الجن إذا عجز عن إغواء المؤمن الصالح وأعياه ذلك استعان على إغوائه بشيطان الإنس ليفتنه، ويدل على صحة هذا القول ما روي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تعوذب بالله من شيطان الجن والإنس قلت يا رسول الله وهل للإنس من شيطان؟ قال نعم هم شر من شياطين الجن» ذكره البغوي بغير سند وأسنده الطبري.
وقال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد عليّ من شيطان الجن وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب شيطان الجن وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي.
القول الثاني: إن الجميع من ولد إبليس وأضيف الشياطين إلى الإنس على معنى أنهم يغوونهم، وهذا قول عكرمة والضحاك والكلبي والسدي.
ورواية عن ابن عباس قالوا: والمراد بشياطين الإنس التي مع الإنس وبشياطين الجن التي مع الجن وذلك أن إبليس قسم جنده قسمين فبعث فريقًا منهم إلى الجن وفريقًا إلى الإنس فالفريقان شياطين الجن والإنس بمعنى أنهم يغوونهم ويضلّونهم وكلا الفريقين أعداء للنبي صلى الله عليه وسلم ولأولياءه من المؤمنين والصالحين.
ومن ذهب إلى هذا القول قال: يدل على صحته أن لفظ الآية يقتضي إضافة الشياطين إلى الإنس والجن والإضافة تقتضي المغايرة فعلى هذا يكون في الشياطين نوع مغاير للإنس والجن وهم أولاد إبليس.
وقوله تعالى: {يوحي بعضهم إلى بعض} يعني يلقي ويسرّ بعضهم إلى بعض ويناجي بعضهم بعضًا وهو الوسوسة التي يلقيها إلى من يريد إغوائه، فعلى القول الأول: إن شياطين الإنس والجن يسر بعضهم إلى بعض ما يفتنون به المؤمنين والصالحين، وعلى القول الثاني: إن أولاد إبليس يلقى بعضهم بعضًا في كل حين فيقول شيطان الإنس لشيطان الجن أضللت صاحبي بكذا وكذا فأضلَّ أنت صاحبك بمثله ويقول شيطان الجن لشيطان الإنس كذلك فذلك وحي بعضهم إلى بعض.
وقوله: {زخرف القول} يعني باطل القول والزخرف هو الباطل من الكلام الذي قد زين ووشي بالكذب وكل شيء حسن مموه فهو زخرف {غرورًا} يعني أن الشياطين يغرون بذلك القول الكذب المزخرف غرورًا وذلك أن الشياطين يزينون الأعمال القبيحة لبني آدم ويغرونهم بها غرورًا {ولو شاء ربك ما فعلوه} يعني ما فعلوا الوسوسة التي يلقيها الشياطين في قلوب بني آدم، والمعنى أن الله تعالى لو شاء لمنعَ الشياطين من إلقاء الوسوسة إلى الإنس والجن ولكن الله يمتحن من يشاء من عباده بما يعلم أنه الأجزل له في الثواب إذا صبر على المحنة {فذرهم وما يفترون} يعني فخلِّهم يا محمد وما زين لهم إبليس وغرهم به من الكفر والمعاصي فإني من ورائهم. اهـ.